ميدان صغير

       ميدان صغير تصبُّ فيه خمسة شوارع .فى الوسط حديقة صغيرة رديئة، مكتوب على السور القصير حولها "إهداء من محلات النور لـ الأدوات الكهربائية" .. على ناصية أحد الشوارع مقهى كبير يسمى الأصدقاء .. جلستُ على طاولة بعيدة عن التلفزيون . كانت قناة دينية تقرأ أجزاء من القرآن وكان الصوت عالى ..طلبت شاى بالنعناع .أمامى الميدان كاملا، ومدخل لـ شارعين من الخمسة .. على ناصية مشتركة بينهم يقع مسجد كبير بجواره سور مدرسة إبتدائية عليه رسومات ألوانها واضحة ومكتوب عليها " مدرستى نظيفة جميلة متطورة منتجة " .. تتناثر الاكياس و المعلبات بجانب صندوق كبير للقمامة يفصل بين المسجد و المدرسة ..
   جاء رجل ينتشر الشعر الابيض فى رأسه و وضع الشاى و كوب ماء أمامى .. شكرته و طلبت منه عود نعناع .. تأخر الرجل فبدأت اشرب الشاي ..
  كان الميدان هادئا  به قليل من المارة .. على الرصيف المقابل لـ سور المدرسة شجرتان صغيرتان ممسك بواحدة منهم طفل فى العاشرة من عمره تقريبا أسمر و طويل .. يحرك الشجرة يمينا و يسارا و يضرب بها طفلا آخر يصغره بعامين أو عام كلما اقترب منه ..
   جاءنى الرجل بعود نعناع  وانا على وشك الإنتهاء من الشاى .. مرّت طفلتان صغيرتان لا يتجاوز عمرهم التاسعة اعتقد . فاقترب الولد الصغير ووصف بصوت عالى مؤخرتهن بـ " الجامدة " ولمس واحدة . ابتعدت الصغيرتان فى ذعر . ورجع الولد لصديقه فضربه بالشجرة الصغيرة ورفع آلة حادة ولوح بها مرتين ثم أغلقها ووضعها فى جيبه .. اقترب منه الولد مرة أخرى، ووقفوا يتابعون الاطفال وهم يخرجون من المدرسة ..
   انتهيت من الشاى ونظرت فى ساعتى كانت الثانية .. فى الطاولة المجاورة يجلس رجل فى العقد الثالث من عمره يتصفح أحد الجرائد الحكومية و ينادى على رجل ليضبط الشيشة .. 
   تمر بائعة مناديل تحمل طفلا صغيرا . تضع كيس مناديل على كل طاولة ثم تعود لتأخذهم مرة أخرى دون كلام .. كانت صغيرة السن مشدودة الجسم تحت العباءة السوداء المتسخة .. اشتريت واحدا .. بعدها مباشرة مرَّ ولد صغير يبيع ترمس ..
   بدأ الميدان يضج بصوت الاطفال .. الأغلبية العظمى من الطالبات يرتدين الحجاب .. هناك من يجرى و آخر يبكى ..  يتقافز الولدان حول الطالبات متحرشين بهن، ثم اختفوا لا أعلم أين ذهبوا ..


    جلس على الطاولة المقابلة لى اثنين،عندما جاءهم صاحب الشعر الأبيض طلبوا  قهوة ودومينو .. اعتذر لهم الرجل عن الدومينو لأن " القرآن شغّال " على حد قوله. وأكملَ "الطاولة والدومنا بعد العِشا" ..
  جاءت طفلة إذا اغتسلت ستصبح أجمل طفلة رأيتها طول عمرى .. شعرها أحمر و عينيها بنية والجزء النظيف من وجهها شديد البياض .. طلبت منى "جنيه" اعطيتها و راقبتها و هى تمر بين الجالسين و تلعب فى طبق الشيشة المتراصة فيه الاحجار،فينهرها الجالس فتبتعد بعد ان تشوح بيدها، ثم تركتْ المقهى و رافقت بائعة المناديل ..  مرَّ الرجل مرة أخرى ليرفع الاكواب .. حاسبته و غادرت بعد أن اشتد الهواء وأثار التراب فى الميدان ..