شمسٌ لم تعد تشرق

    لا يتذكر تحديداً كيف دخلت حياته هذه الفتاة المدهشة .. بدأت علاقتهم عن طريق الانترنت إلى أن جاءت إلى مصر لتدخل الجامعة .. فبدأوا يتحدثون هاتفياً باستمرار ثم قابلها ثلاث او اربع مرات .. حتى قررت أن تنسحب هى من هذه الصداقة دون أن تعلمه ..
    كانت مختلفة تمام الاختلاف عن كل مَنْ يعرف من بنات .. حديثها نفسه، واهتماماتها، وطريقتها فـ عرض المواضيع كانت مختلفة ..
     اللهجة الخليجية فى كلامها كانت تُضفى دلالاً طبيعياً عليه .. حتى إن حصونه الدفاعية كانت
جاهدة تحاول التماسك أمام هذا الدلال .. 
     دخلت إلى حياته بسرعة وتعلق بها فور ظهورها،وخرجت بطريقة غير متوقعة .. بدون ترتيب .. كان يتمنى أن تستمر صداقتهم سنوات ..
   
    لازالت تعليقاتها عالقة بذاكرته ..يفتقد كثيرا المؤثرات الصوتية التى كانت تضيفها إلى حديثها .. مداعبته لها حين يهزمها فى الطاولة .. يتذكر كيف كانت تمسك بـ الزهر..كانت تمسك واحدة بيد و اليد الاخرى تأتى بالثانية لتضعها بجانب الاولى ثم ترمها .. يذكر جيدا آخر مرة رآها فيها .. يذكر عينيها الآسرة ..
      يبتسم خجلا حين يتذكر اول مرة يراها داخل المترو .. لم يكن يتوقع ان تكون جميلة هكذا ..
لم تكفى اهتماماته وتفاصيل حياته اليومية من محو الذكريات التى تركتها بداخله... يحمّل نفسه الجزء الاكبر من سبب انسحابها .. إهماله فى الاهتمام بها ،وإندفاعه احياناً ..
  
  فجأة اصبحت غير موجودة .. لا انترنت ولا هاتف ولا شىء على الاطلاق .. افاق لنفسه يوما فلم يجدها .. الشمسُ التى كانت تدفىءُ عالمه لم تعد تشرق ..
  

 
 

على حافة القمر

      روحٌ جالسةُ على حافةِ القمرِ تتأمل الأرض وهى تدور، وتأرجح ساقيها .. يريحها الصمتُ ويهدهدها دورانُ القمرِ .. اختلَّ توازنها فـ سقطت بسرعة كبيرة على الأرض ، ارتطمت بزجاجِ نافذته .. انزعج هاتفه واصدر صوتاً .. 

- آلو .. كنت مستنيكى ..يلا ننام؟ ..تصبحى على خير..أكيد ..اشوفك هناك

تنسحب روحه ،وتطل من النافذة ،وتمسكُ يدها .. وينطلق الروحان .. تحاولُ سحبه إلى الأعلى ليجلسوا على القمرِ سوياً .. لكن روحه ضعيفة،وأجنحتها الصغيرة لا تقوى على حملها .. على عكس روحها النقية التى يمكنها التحليق عالياً .. بعد محاولاتٍ .. أخذته وذهبت إلى حافةِ جبلٍ يطلُ على نهرٍ واسعٍ .. جلسا سوياً دون كلام .. يمررُ أصابعه بين خصلاتِ شعرها التى لم يتركها الهواءُ ساكنةً .. يحيطها بذراعيه ويضمها إلى صدره حتى يشعرُ بحركةِ تنفسِّها .. يضبطُ حركة نفسُّه معها، ليصبحَ الروحان ذا صدرٍ واحدٍ يعلو ويهبط ..
كان الروحان متشابهين فى هذه اللحظة .. كان يظنُ ذلك  
لكن نظرةٌ واحدةٌ منه إلى القمر تكفى ليعرف مدى الفرق بين نقاء الروحين ..

شجرة الـتـوت

   ثابتة فى مكانها منذ ان ولدت ..  منذ ان بدأت انظر من النافذة الخلفية .. وانا صغير كنت اتابعها واندهش لاختلاف الفصول عليها .. كنت استيقظ على اصوات العصافير .. انظر من النافذة واتابعهم فى طيرانهم منها واليها ..
    فى الصيف كانت تزعجنى .. كانوا الصغار يتجمعون حولها و يلقون بالحجارة كى يجمعوا التوت
..  شجرة تــوت
    كانت معى فى اول علاقة حب .. كنت اقف احكى لها .. واحيانا تسمعنى بنفسها ليلا وانا اتكلم فى الهاتف ، فتحدثنى هى فى الصباح ..
    كانت تتحمل احلام فترة الثانوية العامة .. كنت آخذ كوب الشاى بالنعناع واقف انظر لها، واعرض عليها احلامى ..
    كنت احاول احيانا ان احصى اوراقها التى لم تسقط بعد فى الخريف .. 
 
    النافذة تطل على الجزء الخلفى لـ عمارات أخرى .. فلا يوجد شىء فى المنظر سوى هذه الشجرة الضخمة .. احيانا اشعر انها زرعت لى انا خصيصا .. منّ يزرع شجرة خلف العمارات .. ايخبئها من أحد .. أيحاول ان يجنبها تعدى الآخرين ؟ ربما..

  منذ يومين فتحت نافذتى لكى اطلّ على شجرة التوت ،فأنا لم احكى لها منذ سنوات .. غضبتُ حين وجدت سلك أزرق يمر من امام عينى .. هذا السلك اللعين ألم يجدوا طريقة أخرى من ان يمرروا هذا السلك سوى بهذه البشاعة ! .. اصبح مستحيل ان انظر لـ شجرتى دون ان الاحظ هذا السلك .. أفكر فى قصّه ...

  تمر العصافير احيانا على نافذتى،وتطرق بمنقارها لتذكرنى انى لم اطلّ عليهم منذ فترة ..
   شجرتى تنافس الشروق، واحيانا تفوز هى بالاهتمام .فـ الشمس تشرق من امامها فيصبح لى ان اختار إما ان اتابع الشمس وهى تشرق ،أو اتابع الشجرة والعصافير..

   سأزرع لأولادى شجرة توت ونجلس يوميا نحكى لها